مسلم بن أحمد الكثيري
استمتعت مع الجمهور الذي حضر إلى مسرح دار الفنون الموسيقية في دار الأوبرا السلطانية، بالأمسية الموسيقية العربية اللبنانية الأصيلة، التي قدمها الفنان الدكتور هياف ياسين وفرقته، وذلك يوم الاثنين الماضي وكانت بعنوان: “نغم الأمس..سلسلة موسيقى الآلة”. لقد كانت جرعة لا تنسى من الفن الجميل، والأصالة العربية، تابعها جمهور متنوع؛ عُمانيون ومن جنسيات عربية وغير عربية، وشرقية وغربية، وبناء عليه يمكننا بكل ثقة أن نقول ليس وحده الغناء الذي يجذب الجمهور في دار الفنون الموسيقية.
في الواقع كان الحضور مشجعًا من حيث العدد، فلم أكن أتوقع في ظل ظروف الجائحة والاحترازات المتبعة، هذا الحضور الطيب لأمسية موسيقية عربية من غير غناء تلألأت في سمائها آلة السنطور الشرقية، مع عازفها البارع الفنان هياف ياسين.
وبهذه المناسبة أثنّي على ما ذكره لي الأستاذ وائل قاقيش رئيس قسم التعليم والتواصل المجتمعي بدار الأوبرا السلطانية بأن “هذه الموسيقى أصبحت نادرة جدًا والسميعة لها من النخب الثقافية والفنية”، ويضيف الأستاذ وائل: “إنه مسرور جدًا بالجمهور العُماني الذي أثنى على عرض الدكتور هياف ياسين وفرقته المميزة”.
إن تنظيم هذا النوع من الأمسيات ولهذه الموسيقى تحديدًا “موسيقى عصر النهضة العربية” التي يقدمها الدكتور هياف وفرقته، وغيره من الفنانين العرب تراثًا وتجديدًا مسألة استراتيجية من وجهة نظري لجهة المحافظة على الهوية الثقافية للموسيقى العربية والعُمانية وأصالة أنماطهما وجذورها الموسيقية وتوارثهما واستدامتهما، وهذا ما نشكر عليه دار الفنون الموسيقية، وندعوهم إلى الاستمرار في هذا التوجه وإضافة أنماط موسيقية وغنائية أخرى مثل: الصوت الخليجي، والعوادي الحضرمي، والموشح اليمني، والمقام العراقي، والمألوف المغاربي. فمثل هذه الأمسيات لا تقع أهميتها في المتعة الموسيقية فحسب بل وفي منافعها البيداغوجية كذلك، خاصة عندما تُربط هذه الأمسيات بالمسار التعليمي لطلاب الموسيقى في جميع المستويات الدراسية، مما يؤدي إلى تنمية المدارك الثقافية والموسيقية لجيل الشباب الموسيقي.
وقد علمت أن الدكتور هياف نفذ حلقة عمل لطلاب قسم الموسيقى بجامعة السلطان قابوس وشاهدت عددًا من الطلبة في هذه الأمسية العربية الأصيلة للفنان الدكتور هياف ياسين وفرقته الموسيقية والغنائية، ومشاركات كثيرة في لبنان وخارجها، وهو مختص بالموشحات والتأليف للآلات الموسيقية العربية، وله في هذا السياق إنجازات مهمة لا تكمن فقط في إنعاش فرقة التخت العربية أو فيما أنجزه من إضافات على آلة السنطور الشرقية وإحيائها صناعة وأداء، فحسب بل وكذلك في إحياء وتجديد تراث موسيقى النهضة العربية (أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين) من خلال إعادة المؤلفات الموسيقية الآلية أو إنجاز مؤلفات جديدة على نفس النهج الأصيل، وكان موشح له بعنوان: “أخفى الهوى” قد فاز في عام 2019 بجائزة المسابقة الدولية في التأليف الموسيقي العربي للمجمع العربي للموسيقى بجامعة الدول العربية. ومؤخرًا قدم عرضًا مصورًا مذهلًا بعنوان: “قرن من الموسيقى في لبنان”، قدم فيه الدكتور هياف وفرقته عددًا كبيرًا من فنون الغناء اللبناني.
وقد كان هذا في اعتقادي إنتاجًا موسيقيًا يتسم إلى جانب متعته الجمالية والفنية بالجهد التوثيقي في غاية الروعة والإتقان.
تضمن برنامج الأمسية أربع وصلات كانت الأولى من مقام البياتي واحتوت على “بشرف أقصاق حسيني من ألحان الدكتور هياف ثم تقاسيم لآلة السنطور، وتحميلة العينطورة مع تقاسيم موقّعة دوريًا على ضرب العينطورة” من ألحان الدكتور هياف أيضا.
وهكذا تلتها بقية الوصلات فكانت الثانية من مقام الراست، والثالثة من مقام الصبا، وختم أمسيته “بوصلة رابعة” من مقام الحجاز تضمنت سماعي دارج حجاز (مجهول الملحن من تراث عصر النهضة الموسيقية العربية) ثم تقاسيم مرسلة لآلة السنطور تلتها وصلة قدود مع تقاسيم موقعة دوريًا على ضرب المقسوم من التراث الموسيقي الشعبي الشامي”.
واحتل الارتجال من خلال فقرات التقاسيم الحرة والموقعة مساحة مهمة في هذا العرض، وكان هذا تأكيد على أصالة هذا النوع من الموسيقى العربية، وإبراز قدرات العازفين وما يتمتعون به من مهارات وتقنيات عزف ومعرفة بالمقامات العربية مكنتهم من التأثير على الجمهور والاحتفاظ به طول مدة العرض.
وقد استمتعنا في هذه الأمسية الفريدة بمهارات عازف العود الأستاذ كريستو العلماوي، والأستاذ ستيفن الحكيم عازف الكمان، والأستاذ علي العريضي عازف آلة الرق.
وكان أداء الفنان الدكتور هياف ياسين على آلة السنطور سفر في بحر النغم، وارتجالاته كانت فقرات مميزة وغوص عميق في المقامات العربية وأساليب الأداء الفني، قدم لنا فيها نفسه وفرقته مع هذه الآلة في أجمل صورة وأجمل نغم.
الرابط