يسُرّني تقديم هذا الإصدار الموسيقيّ السابع لزميلي هيّاف ياسين وفرقة التّراث الموسيقيّ العربيّ. فبعد ألبومَين مكرّسَين للموسيقى الفنّيّة العربيّة (غزل، عشق) وثلاثة ألبومات تربويّة موسيقيّة (بدنا نغنّي، أنا والميجانا، يلله نسمع)، وألبوم ليلة راست، يأتي هذا العمل الجديد ليشكّل الحلقة الثانية من سلسلة من الوصلات الغنائيّة والعزفيّة، أطلق عليها الدكتور هيّاف ياسين مسمًّى “أسبوع المقامات”. وهو يقرن سبع “ليالٍ” بالمقامات السبعة الأساسيّة المتداولة في المشرق العربيّ، ألا وهي: الراست (اليكّاه)، البيّاتي (الدوكاه)، السيكاه، الحجاز، الصبا، الجهاركاه، العشّاق (النهاوند)…المزيد

توطئة

بقلم نداء أبو مراد

يسُرّني تقديم هذا الإصدار الموسيقيّ السابع لزميلي هيّاف ياسين وفرقة التّراث الموسيقيّ العربيّ. فبعد ألبومَين مكرّسَين للموسيقى الفنّيّة العربيّة (غزل، عشق) وثلاثة ألبومات تربويّة موسيقيّة (بدنا نغنّي، أنا والميجانا، يلله نسمع)، وألبوم ليلة راست، يأتي هذا العمل الجديد ليشكّل الحلقة الثانية من سلسلة من الوصلات الغنائيّة والعزفيّة، أطلق عليها الدكتور هيّاف ياسين مسمًّى “أسبوع المقامات”. وهو يقرن سبع “ليالٍ” بالمقامات السبعة الأساسيّة المتداولة في المشرق العربيّ، ألا وهي: الراست (اليكّاه)، البيّاتي (الدوكاه)، السيكاه، الحجاز، الصبا، الجهاركاه، العشّاق (النهاوند).

لكنّ القدر شاء أن تكون الحلقة الثانية من مقام الحجاز، في صيغة الحجاز كار، بدلاً عن البيّاتي، على أن يعود المسار تباعًا إلى “ليلة البيّاتي” المؤجّلة. وتجدر الإشارة إلى أنّ هذا الإصدار يعتمد على الصيغة الأصليّة الأصيلة للسلّم المقاميّ الحجازيّ اللونيّ أو الملوّن، مع استخدام تسلسل مسافات الثانية المتوسّطة (3\4 الطنين) والثانية الكبرى (5\4 الطنين) والثانية الصغيرة (نصف الطنين) والثانية الكبيرة (طنين) في تركيب العقد الخماسيّ الواقع في جذع المقام.

وكما أشرتُ إليه في كتيّب الليلة الأولى، ما يلفت الانتباه بشكل خاصّ في هذا المصنّف الجديد أنّه يشكّل مصداقًا جديدًا لمفهوم التقليد الموسيقيّ في دلالته التوليديّة. فصحيح أنّه يأخذ شكل الوصلة الغنائيّة الذي اعتمدته مدرسة عبده الحَمولي (1843-1901) في سياق النهضة الموسيقيّة المشرقيّة العربيّة، وأنّه يورِد في ذلك السياق الهندسيّ النغميّ الإيقاعيّ وذلك المسار الإلزاميّ (المرتكز على مقام واحد للوصلة الواحدة) فقرات تلحينيّة موروثة من القرن التاسع عشر، لكنّه لا ينفكّ يطرح معالجات تجدّديّة تحاكي التقليد في جوهره التركيبيّ الاجتهاديّ، بعيدًا عن سلفيّة التراث الحرفيّ المتحفيّ.

ومن مصاديق هذا التجديد هو استخدام آلة السنطور في إصدار مسجّل لوصلة غنائيّة من التقليد المصريّ الشاميّ الفنّيّ. وبالفعل، فهذه الآلة الوتريّة (من صنف القيثارة)، ذات الأوتار الّتي يضربها مضرابان خشبيّان، تنتمي تراثيًّا إلى تقليد عربيّ آخر، هو المقام العراقيّ (بالإضافة إلى تقاليد شرقيّة غير عربيّة، بخاصّة الرديف الفارسيّ). ولا بدّ هنا من ذكر أن لهيّاف ياسين الفضلَ في إدخال تلك الآلة إلى حيّز التقليد الموسيقيّ المشرقيّ العربيّ العامّ وفي تطويعها كي تلبّي مقتضيات ذلك التقليد، وذلك بالإضافة إلى ابتكار آلة سنطوريّة تربويّة مصغّرة والولوج عبرَها إلى التعليم الأساسيّ في لبنان.

ويمكن أيضًا وضع إضافة مؤلَّفَين موسيقيَّين جديدَين لهيّاف ياسين (موشّح “كيْفَ” المبنيّ على أربعة أبيات من قصيدة لأبي فراس الحمداني وسماعي دارج زنجران) إلى قائمة عناصر ليلة حجاز كار في خانة التجدّد المتأصّل.

لكنْ، وبغضّ النظر عن براعته التأليفيّة في الموشّح الجديد، يبقى مصداق التجديد الأساسيّ في هذا الألبوم في المعالجة الأدائيّة الناجعة لعناصر تلك القائمة الحجازيّة، التي كان من الممكن أن تُبقيَ المتلقّيَ في إدراك نمطيّ لتراثيّة متحفيّة حنينيّة ماضويّة، لو لم تنجح في تحقيق فعليّ لمعادلة توليد الجديد من الموروث على أساس نسقه، أي نحوه التوليديّ. وإن كانت وظيفةُ النحو الموسيقيّ التعبيرَ عن دلالة موسيقيّة من خلال تركيب النغمات في مدودها وفي ما بينها، فالشاهد على إيصال الدلالة إلى السامع يبقى حالُ الوجد الذي يعتري ذلك السامع، بالتكافل مع المُسمع الذي تتسلطن فيه الدلالة الموسيقيّة الضمنيّة، فيُسمع بدوره آهات الابتهال إلى الله. ويا لتعدّد لحظات الوجد التي تعتري كيان سامع ليلة حجاز كار، بخاصّة في الاسترسال والمجاوبات الهنكيّة البليغة التي يرتجلها رهيف الحاجّ، وتحديدًا في دور “ياما انت واحشني”، الذي أضاف إليه أعضاء فرقة التّراث الموسيقيّ العربيّ فقرات حقًّا جديدة متأصّلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *