أصدر المؤلف الموسيقي وعازف السنطور اللبناني هياف ياسين توشيحاً جديداً بعنوان «المسيح ولد» (مقام «البياتي الشوري» على درجة «اليكاه») أسبغَ على أجواء عيد الميلاد في زمن الأسى نكهةً وبهجةً مشرقيتين عربيتين أصيلتين عبر توشيحه الذي يستند إلى بنية تأليفية متينة ترتكز على رؤية إبداعية مغايرة. «المسيح ولد»، من كلمات وألحان هياف ياسين، وغناء رفقا رزق، التي يرافقها كريستو العلماوي (عود وغناء) وآندريس الترس (رقّ). وقد سُجل التوشيح ووُثق في استديو «نبض الشمال» (عكار، شمال لبنان) بإشراف المهندس وائل نعيم.
جاء الأداء الغنائي تطريبياً مفعماً بالسلاسة والتوشية والزخارف (العُرَب) في مواضعها الصحيحة بلا مبالغات أو نقصان، ما ينمّ عن مدى تمكُّن المطربة رزق التي وازنت في حنجرتها بين القوّة والحُنُوّ عبر الشدو المصطبغ بالدفء.
أمّا الحبكة المقامية، فصَيَّرت التوشيح ممتعاً وجذّاباً للأذن، فتكاملت العناصر الموسيقية باتساق، وارتسمت على خواتيم الجُمَل النغمية والغنائية دلائل التمرُّس. كما اندفقت سيل المراحل المقامية بإحكام. هكذا يجرفنا ياسين إلى عالمٍ تهبّ فيه الأنغام النهضوية.
يُحدّثنا ياسين عن خصائص التوشيح، موضحاً أنه شكلٌ موسيقي غنائي أصيل، يترادف حدّ التطابق مع شكل «الموشّح»، ويمتاز بأنه ترنُّميّ النزعة: «يحمل زخارف نغمية كثيرة في طيّات مقاطعه اللفظية و«مُدودِه» إلّا أنّ التوشيح يتعدّى ذلك إلزاماً إلى استخدام أسلوب «الهَنْك» الغنائي، وهو نوع من الارتجال الطارئ والآنيّ في الأداء، يشتمل على التجاوب (سؤال وجواب) بين المطرب من جهة، وبطانته (جوقته) من جهةٍ أخرى، ويكون عادةً هذا «الهنك» مشبوكاً بضرب إيقاعي». ويضيف ياسين «في مثال «المسيح ولد» تمظهراً مشبوكاً على «ضَرْب الوحدة السائرة الثنائية» وتجدر الإشارة إلى أنّ «التوشيح» هو الشكل الذي ألْهَمَ بناء «الدوْر» المصري في عصر النهضة الموسيقية العربية. يحتوي الاثنان على مساحةٍ من التلحين المسبق، ثمّ يستطردان إلى مساحة من الابتكار والارتجال اللحنيين، إضافةً إلى المرور بمساحةٍ فيها أسلوب «الهَنْك» التجاوبي».
ويردف ياسين قائلاً «الفرقة تتقن تأدية الموسيقى التقليدية المشرقية، وهويّتها متجذّرة. رغم الظروف، وبهمّةٍ عالية وصادقة، اتخذنا القرار، فكان إنتاج «المسيح ولد»، لإيصال رسالة إنسانية عميقة مفادها أنّ الأمل والجمال موجودان، وأنّ كلّ إنسان مدعوّ إلى الانخراط في رحلة البحث عن السلام الحقيقي الداخلي أوّلاً، ثمّ على صعيد المجتمع والوطن».